العمل المصرفي وادارة المخاطر

0 مدة القراءة

كتب / المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب* :


الصناعة المصرفية تعتبر من المهن الحساسة سريعة التقلب والتأثر بما يجري حولها من تطورات ايجابية أو سلبية. والدور الذي تقوم به الصناعة المصرفية، لا يخفى على أحد بل ان أثرها المباشر نجده واضحا في كل شخص وشركة وبلد بل
في كل أرجاء العالم. ولهذا، ومنذ بداية العمل المصرفي، توجد السلطة الرقابية الاشرافية على الأعمال المصرفية لتتم ادارتها وفق أفضل السبل المهنية والقانونية والحوكمة وحسن الادارة، اضافة لحماية أموال كل من يأتي بها لايداعها ووضعها في البنوك لحين من الزمن. خاصة وأنه، لو لا هذا الايداع المادي المستمر لجفت خزائن ورفعت صحف البنوك. وهناك مخاطر عديدة كامنة، نظرا لهذه الخصوصية الخاصة المتعلقة بالصناعة المصرفية. وأيضا، هناك ضرورة ملحة لمقابلة المخاطر بكل أنواعها وحسن ادارتها للتخلص التام منها أو حسن ادارتها للحد من آثارها، على أقل تقدير.

والسؤال الذي يقفز للذهن، ما هي المخاطر التي تتعرض لها المصارف ؟ وما هي أو ما هو المقصود بإدارة المخاطر المصرفية ؟ بصفة عامة نقول، هناك عدة تعريفات للمخاطر المصرفية وتم نشر العديد من البحوث والدراسات واللآراء. ومن واقع التجربة، يتم تعريف إدارة المخاطر المصرفية من الناحية النظرية على أنها التطور المنطقي والتنفيذ لخطة منظمة بهدف التعامل مع الخسائر المحتملة. إذ عادة ما يكون التركيز على إدارة المخاطر المصرفية لإدارة تعرض البنك للخسائر أو المخاطر وحماية قيمة الأصول حتى قبل حدوث الخسائر. وتعد ادارة المخاطر جزءا رئيسيا من العمليات المصرفية اليومية المتمثلة في ادارة الائتمان والتحليلات المتعلقة بها وأيضا الاستثمارات والنشاطات المتعلقة بها... ولقد شهدت إدارة المخاطر في القطاع المصرفي تغييرات كثيرة خلال الأعوم الماضية، وذلك لعدة أسباب من ضمنها اللوائح التي انبثقت عن الأزمة المالية العالمية والاجراءات والغرامات التي فُرضت في أعقابها.والغرض بالطبع، حتى لا تتكرر المآسي والأخطاء.

المخاطر المصرفية متعددة عديدة وتتعرض لها كل البنوكمثل أي جهة تقوم بمياشرة عمل تجاري مالي استثماري. ولكن البنوك، بصفة خاصة، تواجه عددا كبيرا لا يحصى من المخاطر. ومن هذا تظهر أهمية معرفة المخاطر وكيفية إدارة البنوك لهذه المخاطر، لأن هناك أنواع مختلفة متنوعة من المخاطر التي قد يواجهها البنك من وقت لآخر ولسبب أو لآخر. ومن أهم المخاطر المصرفية نشير الي مخاطر الائتمان، والمخاطر الائتمانية تعرف على أنها مخاطر احتمالية بسبب عدم سداد العميل أو متلقي القرض لتلك الأموال التي اقترضها من البنك عند الأجل. البنوك في العادة تقرض الأموال وتفتح خزائنها لعملائها،وبالتالي فان عدم اعادة الاموال المقترضة من الممكن أن يؤدي إلى انقطاع التدفقات النقدية وزيادة تكاليف التحصيل وغير ذلك من آثار عدم تحصيل البنك لأموالهوالتعرض للخسائر.

ونذكر مخاطر السوق، وهي من ضمن المخاطر التي تواجهها البنوك، ومخاطر السوق يمكن تعريفها على أنها مخاطر احتمال تعرض فرد أو كيان آخر لخسائر بسبب عوامل تؤثر على الأداء العام للاستثمارات في الأسواق المالية مما يؤدي إلى انخفاض قيمة الاستثمار نتيجة عوامل السوق مثل الركود وغيره. ونذكر مخاطر التشغيل وهي من المخاطر التي قد تواجه البنوك أيضا، وتعرف على أنها مخاطر الخسارة الناتجة عن العمليات الداخلية أو الأشخاص أو الأنظمة أو الأحداث الخارجية غير الفعالة أو الفاشلة التي يمكن أن تعطل تدفق العمليات التجارية، ويمكن أن تكون الخسائر مالية بشكل مباشر أو غير مباشر.

ونذكر المخاطر المتعلقة بالسمعة، ويمكن تعريف مخاطر السمعة على أنها الأضرار التي يمكن أن تحدث للبنك عندما يفشل في تلبية توقعات أصحاب المصلحة، مما يؤثر على العمل سلبيا بغض النظر عن حجمه. على سبيل المثال، اذا وردت إخبار تتحدث عن انتشار الفساد أو مخالفة القانون والممارسات المصرفية السليمة في أحد البنوك، مثل هذا قد يؤدي إلى الإضرار بعلاقات البنك مع العملاء والسلطات وأصحاب المصلحة، وكذلك يسبب انخفاضا في سعر السهم، ويمنح المنافسين ميزة للتقدموالريادة، وبالإضافة إلى حدوث الكثير من الأضرار المعنوية الأخرى. والسمعة الممتازة تبني على جهود مضنية مستمرة لسنوات عديدة، ولكن يمكن أن تنتهي في لمح البصر.

ونذكر مخاطر السيولة، ويمكن تعريف مخاطر السيولة على أنها مخاطر تكبد الخسائر الناتجة عن عدم القدرة على الوفاء بالتزامات الدفع في الوقت المناسب عندما تصبح مستحقة الأجل. وبالنسبة لأي شركة أو مؤسسة مالية، هناك دائما خطر عدم قدرتها على سداد التزاماتها في الوقت المناسب بسبب المطالبات غير المتوقعة أو الالتزام ببيع الأصول طويلة الأجل بسعر أقل من قيمتها الحقيقية أو لأي أسباب أخري، وحركة السوق متغيرة صعودا ونزولا، واحتمال المخاطر موجود لفقدان السيولة في وقت معين.

ونذكر المخاطر القانونية، وهي في نظرنا من أهم المخاطر بالرغم من عدم منحها العناية الكافية من ادارات البنوك. والمخاطر القانونية باختصار تتمثل في عدم الحرص عندصياغة العقود المصرفية المبرمة مع الآخرين، وعدم الحرص في صياغة اللوائح والسياسات المصرفية والادارية المتعلقة بالعمل المصرفي وعدم الحرص في متابعة القضايا أمام المحاكم أو هيئات التحكيم وعدم الاهتمام بالمطالبات التي يتقدم بها العملاء وعدم تسويتها في الوقت المناسب وعدم الحصول على توفر الضمانات الكافية الجاهزة للتسييل أو التأكد التام من شخصية المقترضين وتاريخهم الائتماني .. وغير ذلك من الأمور ذات الطبيعة القانونية الخاصة بالعمليات المصرفية، وهي غير محصورة. وعدم الاهتمام بما ورد أعلاه يشكل مخاطر قانونية أمام المحاكم والجهات الرقابية وغيرها وقد تكون عواقب عدم الاهتمام وخيمة.

ذكرنا أعلاه أهم المخاطر التي تتعرض لها البنوك وبالتالي ما تقوم بممارسته من العمليات المصرفية. ونجد في البنوك ادارات كبيرة خاصة بادارة المخاطر، ومن الأفضل أن تتبع هذه الادارة لمجلس الادارة مباشرة حتي تجد الحرية والانعتاق من السيطرة الادارية التنفيذيةوضرب جرس الانذار في الوقت الصحيح مع الاستعداد لكل الاحتمالات. وادارة المخاطر المصرفية تتطلب وجود خطة رسمية وواضحة لادارة المخاطر وتحديد المشاكل التي يواجهها أو قد يواجهها البنك والتي من شأنها التأثير على البنك بأكمله. ويجب أن ينص هدف هذه الخطة في أن تعمل على التخفيف من آثار المخاطر وإزالتها بصورةعلمية عملية. وأن تكون خطط إدارة المخاطر فعالة وتتضمن كيفية إرشاد الإدارة والموظفين إلى طرق تحسين الأداء من خلال الكشف عن التبعيات الرئيسية لهذه المخاطر. ونقول أن هناك ضرورة، في أن تحشد هذه الادارة بالكفاءات البشرية ذات المعرفة المهنية التراكمية والمواهب الفنية اضافة للجرآة وبعد النظر.

ان الإدارة السليمة للمخاطر المصرفية تسهم في زيادة كفاءة البنك وقدرته على تخصيص الوقت والموارد بشكل أفضل تجاه الأمور الأكثر أهمية وبالتالى نمو البنك وازدهاره. ونذكر، بأن الحجم ورأس المال والعلامة التجارية وحصة السوق والعديد من الخصائص الأخرى الخاصة بالبنك تعمل على تحديد برنامج إدارة المخاطر المناسب لكل بنك وفق الوضع الملائم الحالي وفي المستقبل المنظور وفق الخطط الموضوعة.

والخطوات الأساسية لجميع البنوك في خطة إدارة المخاطر المصرفية تشمل، تحديد المخاطر المصرفية، ويعتبر تحديد المخاطر المصرفية الخطوة الأولى في عملية إنشاء برنامج إدارة مخاطر هادف، حيث أنه لا يكفي مجرد تحديد ما حدث بشكل سطحي حيث تركز تقنيات تحديد المخاطر الأكثر فعالية على السبب الجذري مما يتيح تحديد المشكلات النظامية بحيث يمكن تصميم عناصر التحكم للتخلص من تكلفة ووقت تكرار الجهود. اضافة الي أن منهجية التقييم والتحليل تعد من العناصر الأساسية لإدارة المخاطر المصرفية، حيث يعتبر تقييم المخاطر بأسلوب موحد السمة المميزة لنظام إدارة المخاطر الصحي. وعلى البنوك الاستعداد التام وتوفير القدرة المطلوبة لجمع البيانات وتحليلها لتحديد احتمالية أي خطر معين ومن ثم ترتيب جهود العلاج حسب الأولوية.ايضا، مراقبة المخاطر وتخفيفها أو نقلها تعتبر من الخطوات الأخرى البالغة الأهمية. ومراقبة المخاطر وتبؤها قبل حدوثها أمر هام ويجب أن تكون مراقبة المخاطر عملية مستمرة واستباقية وكذلك وضع خطط للتخفيف من آثارها وتبعاتها. بالإضافة إلى ذلك، على البنوك معرفة كيفية التخفيف من هذه المخاطر من خلال تقليل التعرض للمخاطر وتقليل احتمالية وقوع الحادث.

كل عمل وكل خطوة لا تخلو من المخاطر، ومن يعمل يتعرض للمخاطر، ولهذا من الضروري أخذ هذه القاعدة في الحسبان واتخاذ الاجراءات الضرورية والكافية للتعامل مع هذه الحرب لكسبها أو الخروج منها بأقل الخسائر. والصناعة المصرفية تعتبر من الصناعات الرائدة التي يجب أن تضرب المثل للآخرين في حسن الادارة لكل العمليات المصرفية وما يتعلق بها. والمشوار طويل ويحتاج لنفس طويل وعمل مهني دؤوب متواصل بحزم وعزيمة صادقة.

* المؤسس والمدير التنفيذي ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م البحرين \ دبي

ElQarar http://www.elqarar.com

مجلة القرار للبحوث العلمية المحكّمة

المزيد للمؤلف

ربما يعجبك أيضاً

+ لا توجد تعليقات

أضف لك