إعداد | المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب* :
التكنولوجيا المالية عبارة عن ابتكارات مالية حديثة بفضل استخدام التكنولوجيا التقنية التي يمكنها استحداث نماذج عمل أو تطبيقات أو عمليات أو منتجات جديدة لها أثر ملموس على الأسواق والمؤسسات المالية وقادرة على تقديم الخدمات المالية. وما يهمنا في هذا المقام الخدمات المصرفية تحديدا، لأنه وبفضل التكنولوجيا، أصبح العمل المصرفي سهلا وسلسا وسريعا. والفضل في هذا يعود لتقنية المعلومات والمجالات المتعددة التي تم ارتيادها بهذه التقنية. وبالرغم من المجالات والآثار والعمليات الكبيرة بفضل التكنولوجيا وارتيادها لآفاق بعيدة جدا في المستقبل المنظور، الا اننا نرجع لبدايات التقنية المصرفية التي أتت بالكثير من الفوائد. ومن أهم الفوائد الملموسة امكانية تكملة العديد من العمليات المصرفية في سرعة البرق ودون الحاجة للذهاب والوقوف في الصفوف، خاصة في هذا العالم المتسارع حيث لكل ثانية قيمة تذكر.
وبفضل التكنولوجيا التقنية تطورت الأعمال والخدمات المصرفية وهذا عاد ويعود لمصلحة الجميع بدون استثناء. لكن وبالرغم من الفوائد المتعددة والتي لا تحصى الا ان هناك “انات” وعقبات كؤود نسميها جوازا “المخاطر”. وهذه المخاطر متعددة، ولكن ما يهمنا الآن تلك المخاطر المرتبطة بالتكنولوجيا المالية المصرفية التي أتاحت للبنوك العمل بكل همة علي رأس كل ساعة لنيل قصب السبق وتبوء أعلى المراتب بسبب أنها تعمل وفق أحدث وأرقى وسائل ثورة تقنية المعلومات. ومن كل هذه الأوضاع المرتبطة بالتقنية المصرفية تأتي المخاطر علي رأس البنوك وعلى رأس الزبائن أيضا لأن الجميع قد يتضرر مما حدث أو يحدث. وهنا توجد مسؤولية كبيرة على البنوك والزبائن والجهات المرتبطة، لكن أكثرها على البنوك، للعمل قدر المستطاع لتجنب المخاطر أو حسن ادارتها لتأتي العواقب بأقل الخسائر، اذا كان لا بد من ذلك.
يأتي الزبون للبنك متضايق ويقول أنه أكتشف سحوبات من حسابه وهو لم يقم بها وأن السحوبات مستمرة لعدة أيام لكن لم يكن لديه زمن للحضور للتبليغ عما حدث لحسابه وهو يطالب البنك باسترجاع المبالغ المسحوبة. ويكتشف البنك أن الزبون فقد محفظة نقوده. ومن سوء الحظ أن المحفظة وقعت في يد شخص، وهذا بدوره لم يتردد في الاسراع بالسحب. ومن هنا يظهر أن “نعمة” الصراف الآلي أصبحت “نقمة”. والفرق بين الأولى والثانية نقطة من خيط رفيع لكنه مثقل بالمخاطر لأن البطاقة المصرفية قد يستخدمها صاحبها بنفسه أو يستخدمها شخص آخر من عالم آخر وفكر آخر. مثل هذه الدراما تحدث في البنوك يوميا وستظل تحدث طالما هذه الخدمة متوفرة. نقول، ان خدمة الصراف الآلي من مميزات التكنولوجيا القنية المصرفية لكنها ذات مخاطر عالية، والبنوك تبذل جهودا كبيرة في تقليل وتجاوز هذه المخاطر بالتوعية والتثقيف ولكننا من دون شك نحتاج لأكثر من هذا ولا بد من تطويع التقنية لاستحداث طرق تقنية “وتر بروف” تحمي صاحب البطاقة، ونتطلع للتقنية في هذا الخصوص لمجابهة مخاطر التقنية لأن “المجرم التقني” المتخصص يستطيع انتهاك خصوصية الحساب المصرفي والاطلاع عليه وسرق ما تيسر منه والرقم السري محفوظ عندك في مكان آمن أمين. وكل هذه الممارسات التقنية التي يقوم بها المجرم التقني تحتاج لممارسات تقنية معاكسة تحول دون اتمام الجريمة. ولكن المخاطر موجودة وستظل موجودة ما دامت الخدمة موجودة ومن لا يرغب في التعرض لهذه المخاطر عليه الابتعاد تماما عن هذه الخدمة المصرفية الحديثة المفيدة السريعة.. والعودة لممارسة العمل المصرفي اليدوي التقليدي والذي أوشك علي أن يكون جزءا من التاريخ.
من قصص الدراما أيضا، تصل للبنوك تعليمات من الزبائن عبر الوسائل التقنية المتفق عليها لتحويل مبالغ من حسابهم ومثل هذه الخدمة “الخاصة” تمنح لزبائن خاصين لأوضاعهم الخاصة، وعبر هذا العمل تتم الاستفادة من التقنية المصرفية ويفرح الزبون “الخاص” وكذلك البنك بما تم من انجاز سريع وفعال. ولكن في بعض الحالات، فجأة يأتي أحد الزبائن ويقول أنه لم يطلب تحويل مبلغ من حسابه. وفي نهاية الأمر تنعكس العلاقة لحدوث الخلاف، وكل هذا من مخاطر التقنية المصرفية. لأن هناك من يتلصص ويتدخل في هذه الخصوصية بين البنك والزبون ويطوع التقنية ويلوي عنقها ويطبخها ويأكلها… وهذا المجرم التقني قد لا نعرف مكانه أو أسمه وهو قد يكون من أقرب الأقربين. والتقنية المصرفية هي التي تحدد استمرار الفرح أو العكس، لأن التقنية المصرفية ذات وجهين وعلي الأطراف الاستعداد لمجابهة أي من الوجهين وهنا تأتي أهمية مجابهة المخاطر وحسن ادارتها قدر المستطاع لتأتي “أكلا طيبا” وليس “غثا كريها” لا يمكن للزبون أو البنك الاستفادة منه.
أيضا هناك خلافات متشعبة تحدث في ما بين البنوك بعضها البعض أو مع المؤسسات المالية المساعدة وقد تقود هذه الخلافات لمنازعات كبيرة حادة وكل هذا يعود لمخاطر التقنية المصرفية من حيث اساءة استخدام الرقم السري أو كود السويفت مثلا، والمخاطر تتمثل في أن كل العملية تتم دون معرفة مسبقة للطرف الآخر أو التحدث معه، لأن كل الأمر يتم بواسطة المستندات المنقولة آليا عبر وسائل التقنية، واذا هناك خطأ مقصود أو غير مقصود لا يتم اكتشافه الا بعد فوات الأوان واكتمال العملية التي قد تكون بغرض الاحتيال “اجرامية” وبسببها يتعرض الزبون أو البنك للخسائر المادية والمعنوية… “وحينئذ لا ينفع الندم”.
هذه بعض الأمثلة الواقعية الحقيقية التي تتكرر كثيرا وبالرغم من أن العمليات التي تتم عبر التقنية المصرفية لا تحصى ولا تعد والجميع يعتمد عليها في تكملة خدماتهم، الا ان هذه العمليات أيضا كما يعلم الجميع محفوفة بالمخاطر التي يجب على البنوك، وبمساعدة الزبائن، دراستها من كل الجوانب لأخذ كل الاحتياطيات المطلوبة. وكل هذا يتطلب منا اعداد السياسات الضرورية الحديثة والمباشرة لمجابهة كل أنواع المخاطر بحزم تام مع اصدار التوجيهات اللازمة للامتثال بهذه السياسات وتطبيقها بمهنية عالية، وكلما توفرت المهنية كلما كانت النتائج أفضل لتجاوز المخاطر وحسن ادارة كل ما يرتبط بها.
وبموجب السياسات الحصيفة المدروسة يتم اعداد الوثائق مع ضرورة حسن صياغتها، واضافة لهذا لا بد من تدريب الموظفين في البنك تدريبا كافيا ومتجددا لملاحقة التقنية ومقارعتها، مع الحرص كذلك علي تقديم كل التوعية والتثقيف الكافيين للزبائن وكافة الجمهور عبر كل الوسائل المتاحة خاصة التقنية لعلاقتها المباشرة بالموضوع ولمخاطبة أصحاب العقول التقنية أو من له علاقة بالتقنية. ان الحاجة لكافة العمليات المصرفية في ازدياد يوميا، وضرورة تسارع خطى الحياة تستدعي الاستفادة من التقنية المصرفية بل والاعتماد عليها في كل كبيرة وصغيرة وهذا أمر حميد ولكن ب “ثمنه” وعلينا الموازنة بمعيار عالي بين الأمور للاستفادة من التقنية مع الحرص التام علي تقليل أو تجاوز كل المخاطر المرتبطة بها. ومن هذا الواقع المتلاطم بحذر تتطور الخدمات المصرفية وأيضا بسرعة أسرع تتطور التقنية المصرفية لتقديم أفضل الخدمات المصرفية الآمنة. ومن هذا الواقع المعاش فعليا، ننادي بضرورة الاستعداد بكل الاحتياطيات التقنية لمجابهة مخاطر التقنية المصرفية، ولا يقرع الحديد الا الحديد، و دمتم في أمان وأمن.
* بروفيسور القانون الجامعة الامريكية – البحرين | المؤسس والمدير التنفيذي ع | د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م البحرين \ دبي
+ لا توجد تعليقات
أضف لك