إعداد | د. هانيا محمد علي فقيه:
في السابق، كان وجود الذكاء الاصطناعي AI[i] مقتصرًا على روايات الخيال العلمي، إلا ان التطور السريع الذي شهدته السنوات الأخيرة لأنظمة التكنولوجيا، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، والحماس الناجم عن القدرات والميزات الرائعة التي تتمتع بها، ولا سيما برنامج ChatGPT[ii]، قادنا الى الاعتراف بأن هذا الخيال أصبح واقعًا لا مفر منه.
ويُعرف الذكاء الاصطناعي بأنه “نظام معلوماتي يتمتع بقدرات فكرية مماثلة لتلك التي توجد لدى الإنسان، أو هو تطبيق حاسوبي أي آلة تؤدي العمليات التي يقوم بها الذكاء البشري”؛ ويعرف بأنه “وسيلة للتحكم في الحاسوب أو الروبوت Robot بواسطة برنامج يفكر بالطريقة نفسها، التي يفكر بها البشر الأذكياء”؛ كما يعرف على أنه “أحد علوم الحاسب الآلي الحديثة، التي تبحث عن أساليب متطورة لبرمجته للقيام بأعمال واستنتاجات تشابه الأساليب التي تُنسب لذكاء الإنسان، من خلال فهم العمليات الذهنية الشائكة، التي يقوم بها العقل البشري أثناء التفكير، ثم ترجمتها الى ما يوازيها من عمليات حسابية، تزيد من قدرة الحاسب على حل العمليات الشائكة”[iii].
ويمكن تعريف الروبوتRobot ، بأنه آلة أوتوماتيكية مسخرة ومتعددة الاستخدامات وقابلة للبرمجة، وبالنظر الى تمتعها بالمرونة الميكانيكية، فلها القدرة على العمل بصورة مستقلة، لتنفيذ الأعمال المختلفة التي تتطلب قدرات خاصة، مثل تحريك العضلات من أجل القيام بالوظائف الحركية للإنسان[iv].
وللذكاء الاصطناعي، طبيعة غير مادية، وبالتالي لا يمكن حصره بالروبوتات Robots وحدها[v]، إذ ان هذه الأخيرة تشكل الآلة أو الشكل المجسد له، في حين أن الذكاء الاصطناعي يمثل عقل هذه الآلة، التي توجهها بقرارات آنية، وفق البيئة المحيطة بها، بعيدًا عن أي توقع[vi].
في بعض الأحيان، قد يتفوق الذكاء الاصطناعي على ذكاء الإنسان، في ممارسة بعض الأنشطة ولا سيما تلك القائمة على التسلسل المعرفي الدقيق، كالرياضيات والهندسة والفيزياء، لجهة استقلاله وسرعته ودقته وتكلفته[vii]، فيجمع البيانات ويحللها ويصنفها وفق نموذج، ويتخذ القرار وينفذه بصورة مستقلة، دون الرجوع الى الصانع أو المبرمج أو المالك أو المشغل. بينما يتفوق الذكاء البشري على الذكاء الاصطناعي في العلوم الاجتماعية والانسانية، باعتبارها غامضة، وهو لا يمتلك (حتى الآن) مهارات التحليل البشري العميق للمفاهيم الفلسفية والاجتماعية المتضاربة[viii]، ولا للشعور.
وكان الباحثون قد طوّروا مؤخرًا نظام ذكاء اصطناعي، له القدرة على تحديد “التوقيع الكيميائي للنبيذ”، لجهة صحته وبلد إنتاجه، وعمر زجاجة النبيذ… ولكن وعلى الرغم من المنافسة الشرسة لهذا النظام الجديد، مع الذكاء البشري لخبراء النبيذ لجهة معرفة نوعيته وجودته، إلا أن الذكاء الاصطناعي يحتاج الى خمس ساعات على الأقل ليحلل بيانات النبيذ، لمعرفة “أصله”، بينما يحتاج الخبير البشري الى بضعة دقائق فقط، لمعرفة ذلك. فالذكاء الاصطناعي وإن كان يتمتع بالثقة، ونتائجه صحيحة بنسبة قد تصل الى 100% في هذا المجال، إلا أنه لا يزال (حتى الآن) يفتقر الى ميزة أساسية تميز الذكاء البشري، ألا وهي الإحساس الذي يمكن أن يشعر به هذا الأخير عند تذوقه للنبيذ[ix].
ويختلف الروبوتRobot عن الأتمتة Automation، “التي تعني ببساطة تشغيل الآلة، أو التطبيق الإلكتروني وفق برنامج معد سلفًا، دون أن تحيد عنه، بمعنى آخر، برمجة آلة لمهمة معينة ولمدة محددة، كالبرنامج الذي يشتمل على عدة محددات و يثبت في الغسالة الأوتوماتيكية، لتقوم بمهمة واحدة وهي غسيل الملابس، لمدة زمنية محددة، الى أن ينتهي البرنامج وتتوقف الآلة عن العمل، كذلك، التطبيق الإلكتروني الذي تستخدمه شركات الطيران في الحجز الإلكتروني لتذاكر السفر، هو تطبيق مؤتمت يقوم بعمله وفق البرنامج المعد سلفًا، والذي يختلف بحسب وجهة الطائرة والدرجة المطلوب الحجز عليها، وما إذا كانت الرحلة ترانزيت أو مباشرة، وما يسمى بالوكيل الإلكتروني المستخدم في التعاقد، وإبرام الصفقات، يعد في الواقع شكلا من أشكال الأتمتة”[x].
وبالفعل، فقد تم إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي في العديد من المنتجات والخدمات، التي يستخدمها المستهلكون والشركات على حد سواء، كالروبوتاتRobots الصناعية والخدماتية، والمساعد الافتراضي، وبرامج التعرف على الوجوه، والمركبات ذاتية القيادة، والطائرات المسيرة، وما إلى ذلك…
إذن، يعد الذكاء الاصطناعي تقنية حديثة، أدت الى ثورة في العديد من القطاعات، ولكنها تحمل في طيّات تطبيقها، بعض المخاطر والتحديات الصعبة، ولا سيما لجهة الأضرار التي قد تترتب عن استخدامها، والتي ستحتاج الدول والحكومات إلى إيجاد حلول فعالة وسريعة للتعويض عنها، ذلك لأنه لا توجد حتى الآن قواعد خاصة لنظام المسؤولية عن الأخطاء المرتكبة عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي أو العيوب التي تشتمل عليها، سواء في لبنان، وفي أغلب الدول العربية[xi]، مع العلم أن دولة الإمارات العربية المتحدة، كانت السباقة في مجال الاهتمام بمجال الذكاء الاصطناعي، حيث عينت في عام 2017 أول وزير في العالم للذكاء الاصطناعي، إلى جانب الإعلان عن تطبيق استراتيجية هذا الذكاء الاصطناعي في العديد من القطاعات، بحيث أدخلت الروبوتات إلى جميع مجالات العمل في بلدها، فبات سكان وزوار هذا البلد، معتادين على مشاهدة الروبوتات وهي تقدم الخدمات المختلفة، وتتفاعل مع العملاء في المجالات كافة، مثل النقل والتعليم والرعاية الصحية، بالإضافة إلى قطاع البناء والإنشاءات وغيرها. كما تُعد المملكة العربية السعودية، من الدول السباقة الى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، لتحقيق أهداف رؤيا المملكة لعام 2030، اذ تم إنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، لتعزيز مكانة المملكة ضمن أفضل الدول الرائدة في الاقتصادات المستدامة المعتمدة على البيانات والذكاء الاصطناعي[xii].
تجدر الإشارة إلى أن الحكومة اللبنانية كانت قد صدقت مشروع القانون رقم 81 بتاريخ 10\10\2018 المتعلق بالمعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي، الذي يهدف الى الاعتراف بالأسناد الإلكترونية والتواقيع الإلكترونية وتنظيم معالجة البيانات ذات الطابع الشخصي، وتنظيم القطاع المتعلق بالتجارة الإلكترونية والمعاملات الإلكترونية.. إلا ان هذا القانون لم يلحظ تنظيم أنشطة تطوير وتسويق الذكاء الاصطناعي في لبنان والمخاطر التي قد تتأتى عن اللجوء اليها .
وبالتالي و حتى الآن، فإن القانون الوحيد الذي اعتمده المشرع في لبنان بشأن التكنولوجيا، يرتبط بالمعاملات الالكترونية، وهو يحتوي على قواعد معينة لجهة المسؤولية المدنية والجزائية، تتعلق بالولوج غير المشروع لنظام معلوماتي، والتعدي على سلامة نظام معلوماتي، أو بالتعدي على سلامة البيانات الرقمية، أو إساءة التصرف بالأجهزة والبرامج المعلوماتية، في حين أن المسألة المطروحة في هذا البحث، تتعلق بمدى امكانية تحميل أنظمة الذكاء الاصطناعي سواء أكانت خوارزميات وعمليات حسابية، أم روباتات يتم التحكم فيها عبر الذكاء الاصطناعي، المسؤولية في التعويض عن الأضرار الناشئة عنها، وعلى أي أساس قانوني.
[i] Artificial intelligence.
المصدر | مجلة القرار للبحوث العلمية | العدد الأول | المجلد الأول | السنة الأولى | كانون الثاني (يناير) 2024 | رجب 1445
عرض كامل الدراسة | PDF 538 KB
+ لا توجد تعليقات
أضف لك