أكثريتان وميثاقيتان

0 دقيقة قراءة

كتب / مجيد مطر :

أفضت الانتخابات النيابية التي جرت في 15 أيار الى انتاج «أكثريتين نيابيتين»، لكل منهما هوية وبرنامج واضح، ونقاط الاختلاف بينهما تفوق نقاط الاتفاق. فالنواب الجدد الذين هم من خارج حلف الممانعة، وجميعهم لا يقرون لـ»حزب الله» بالكثير مما يفعله ويقوله، يمثلون حيثية وازنة ستعبر عن مواقفها المعلنة داخل المجلس باعتبار الانتخابات وسيلة ديمقراطية لنقل الخلافات الى داخل قبة البرلمان وجدرانه. وهي في معرض السعي لتحقيق وعودها الانتخابية، ستحرج الممانعين كثيراً في اللعبة الديمقراطية، هذا اذا قبلوا بها!!.

ومما لا يختلف عليه عاقلان ان النتائج المهمة التي نحن بصددها قد تشكلت بفعل روافد كثيرة، أولها الاجماع الشعبي ضد العهد وسياساته التي أمّن لها «حزب الله» الغطاء من خلال التهديد، والتشكيك بحالة الاعتراض بجميع تنويعاته السياسية. فلقد فشلت الأغلبية السابقة في طرح برامج سياسية واقتصادية، وجميعها قد خضعت للحزب القائد الذي لم يعط الشأن الداخلي الاهتمام الكافي، مكتفين فقط بترداد المقولة الهذيانية ذاتها: ان لبنان يرزح تحت حصار عربي ودولي، للتهرب من الإقرار بعجزهم وفشلهم.

ومن يحسن القرءاة، يستنتج من تصريح النائب محمد رعد المقولة اللاعقلانية التي تشير الى ان «من ليس معنا فهو ضدنا». مع ان «حزب الله» يمثل قوة لا يستهان بها وحضوراً وتأثيراً لم يشهد لهما لبنان في تاريخه الحديث مثيلاً، فقد واجه نوابه النتيجة بكلام قاسٍ ومتوتر، يعبر عن نظرية المؤامرة خير تعبير. ولغته تلك غير قابلة للاستمرار، خصوصاً بعد ان قال الشعب اللبناني كلمته في الانتخابات، التي تمت في ظل حكومة مقربة منه، ومن حلفائه، بحيث فرضت نتائجها واقعاً سياسياً مغايراً عما خبره اللبنانييون طيلة عقود. فلا يمكن القبول البتة بتحويل النتيجة التي اقرها التصويت الشعبي، الى صراعات مجتمعية بين أبناء الوطن الواحد.

فلا يعقل في بلد يحترم نفسه القبول، بتهديد نواب، قد اصبحوا ممثلين للأمة، بحرب أهلية، فيما لو أرادوا الحكم وإنتاج سياسات عامة لا تميز بين مواطن وآخر. فواحد من أهم روافد ذلك التغيير يتمثل في رفض التسليم لـ»حزب الله» بحصرية تحديد مضمون الوطنية اللبنانية، وكأنه قاض يحكم في محكمة عرفية.

لا مبالغة في القول إننا بتنا امام مرحلة تاريخية غير مسبوقة، واذا كان لبنان محكوما ًبالتوازنات السابقة، فإن اول شرط من شروط الممارسة الديمقراطية المستندة الى نتيجة التصويت هو إعادة صياغة تلك التوازنات وعدم التسليم بتحويل المكسب الديمقراطي الى نتيجة صفرية بفعل فائض القوة، والعمل على إبراز تصور سياسي واضح المعالم، يساهم، من خلال التمسك بالديمقراطية التعددية، في تعريف المواطنة، وعلاقة المجتمع بالدولة، والطوائف، على قاعدة حياد الدولة بينهم، وتكريس سيادة القانون.

ومن دواعي الشفافية والمصداقية، على الأكثرية التغييرية الجديدة ان تبرز كفاعل جدي ورصين وعقلاني، وهي التي تضم تحالفاًً عابراً للطوائف والطبقات، وان تبدأ وبأسرع وقت ممكن في بلورة خطة عملها، وفق أولويات سياسية واجتماعية، وفتح الأبواب امام التنسيق مع أصحاب المصلحة في حل الازمة المعيشية الخانقة والسعي الى تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة، وتوسيع هامش الحرية للبنانيين جميعاً وعلى كامل الأراضي اللبنانية، وإعادة الاعتبار لعلاقات لبنان العربية والدولية، وذلك وفق قراءة واقعية لإمكانيات الدولة المتاحة.

وما حققته ايضاً هذه الانتخابات، إخراج «الميثاقية الدرزية» من يد العهد وحلفائه، بعد خسارة كل المرشحين الدروز الموالين للاغلبية السابقة وفي مقدمهم النائب السابق طلال ارسلان، فلم يعد بمقدورهم فرض ارادتهم على الممثلين المنتخبين للطائفة الدرزية، بخلاف الواقع، ولا حاجة بنا للتذكير كيف تم تعطيل الحكومات على خلفية امتلاك «الميثاقية».

يمكن القول بهذا المعنى ان الانتخابات قد افرزت ميثاقيتين واحدة «درزية» يمثلها وليد جنبلاط وأخرى «شيعية» يمثلها «حزب الله» وحركة امل، واذا اردنا بناء المواقف السياسية على معطياتها الواقعية، ستتحكم هاتان الميثاقيتان بمجمل التطورات المقبلة في ما يتعلق بتكوين السلطات، ان لناحية انتخاب رئيس مجلس النواب، وتشكيل الحكومة وتسمية رئيسها، ولاحقا انتخاب رئيس الجمهورية.

وعلى امتداد سنوات فقد تم استعمال فكرة الميثاقية كسلاح تعطيلي او تسهيلي بحسب الضرورة، وكل التسويات السابقة قد اعطت الميثاقية في العرف تفوقاً على الدستور، حيث لا حسم في فهم مقولة: «النائب يمثل الأمة»، ولا في مبدأ «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك» بالرغم من وضوح النص.

والعنوان العريض الذي سيحتل النقاش هو «الميثاقية». فنحن مقبلون على استحقاقات كبرى، وكل ملمح قوة سيتم استخدامه من دون تردد، وستكرس تلك العبارة سلاحاً لكل من يملكه.

وليد جنبلاط عاد مجدداً بيضة القبان، حيث يميل، ستميل الاكثرية، وسيكون بمقدوره المشاركة الفاعلة في صياغة التوازنات السياسية والتأثير فيها. وفي ما يتعلق بالقوى التغييرية الجديدة، عليها ان تعي ان الشارع شيء وتعقيدات المؤسسات شيء آخر، وعليهم الّا يقعوا في فخ النقاش المبتذل وغير الواقعي، من بناء تحالفات ولو اخذت طابع ضرورات المرحلة.

اما «حزب الله»، فهل سيتعامل مع هذه النتائج بواقعية، بحيث يستعمل عقله قبل عضلاته؟

وعلى الله فليتوكلِ المتوكلون.

المصدر: نداء الوطن

ربما يعجبك أيضاً

المزيد للمؤلف

+ لا توجد تعليقات

أضف لك